رحلتي الى الهند (١)
بقلم المهندس رسول العذاري
حين يسافر الإنسان بين البلدان ويغوص في تفاصيل حياة الشعوب، يكتشف حجم التنوع المدهش في العادات والتقاليد والديانات والمذاهب. ففي لحظة واحدة، قد يجد نفسه أمام مشهد يجسد فسيفساء البشرية: رجل يرتدي العمامة الهندية بجوار آخر يكاد يكون عاري الجسد إلا من وزرة بسيطة، وثالث يتأنق بالزي التقليدي، ونساء تتنوع أزياؤهن بين النقاب والحجاب والشال الهندي والملابس الغربية العصرية. هذا التنوع ليس مجرد مظهر خارجي، بل هو انعكاس لعالم داخلي متراكم من ثقافات وديانات وتجارب حياتية متوارثة عبر قرون.
إن ما يميز الإنسان في الصين ليس بالضرورة ما يميز نظيره في أمريكا الجنوبية، وما يشكل هوية الهندي قد لا يعني شيئًا للأوروبي أو الأفريقي. هذه الفوارق ليست سطحية، بل تضرب جذورها في عمق الوعي الجمعي لكل شعب. فالدين، والثقافة، والسياسة، والاقتصاد، جميعها تسهم في صياغة شخصية الفرد والجماعة، حتى يصبح من المستحيل فرض قالب واحد يوحد الجميع، سواء كان دينيًا أو سياسيًا أو مذهبيًا.
لكن هذا الاختلاف الكبير لا يعني الصراع أو الاستحالة في التعايش. على العكس، هو دعوة إلى إدراك أن ما يجمع البشر أكبر بكثير مما يفرقهم. وإذا كانت المذاهب والأديان والسياسات تتعدد وتتباين، فإن الإنسانية تظل القاسم المشترك الأعظم. فالجوع واحد، والحزن واحد، والفرح واحد، والبحث عن الأمان واحد، مهما اختلفت لغات التعبير أو أشكال الطقوس.
لقد فرضت البيئة على كل إنسان قيودًا فكرية وثقافية لا يستطيع الخروج منها بسهولة، لكن ذلك لا يلغي أن جذورنا العميقة واحدة. نحن جميعًا نولد ضعفاء، ونسعى وراء الأمل، ونحتاج إلى الحب، ونخاف من المجهول. هذا الرابط الإنساني هو ما يمكن أن يؤسس لوحدة حقيقية، ليست وحدة مذهبية أو سياسية قسرية، بل وحدة تقوم على الاعتراف بالآخر واحترام اختلافه.
إن العالم اليوم، بتشابك اقتصاده وسياساته وثقافاته، يضع أمامنا خيارًا وحيدًا للبقاء: أن ننظر إلى بعضنا كـ بشر أولًا، قبل أن نكون أتباعًا لدين أو مذهب أو هوية وطنية. عندها فقط يصبح التنوع مصدر ثراء لا مصدر صراع، وتصبح الإنسانية الجسر الذي يعبر بنا جميعًا نحو مستقبل أكثر سلامًا.